دور
العلماء والباحثين يقتصر غالبا على التشخيص والتحليل وربما تقديم حلول،
أما تحقيق التغيير المرجو وطريقة وأساليب تنفيذه فتفوق طاقاتهم وإمكانياتهم
تحتاج إلى روح وحماس الشباب.
وفى
محاولة لتحليل وسبر أغوار الشخصية المصرية بكل أبعادها السياسية
والاجتماعية والنفسية، وحتى القانونية بداية من الأنماط التى تميزها بين
الخضوع والثورة كتب كثير من العلماء أبحاث ومقالات مختلفة.
فمثلا
يقول د. «خالد عبدالفتاح»، مدرس علم الاجتماع بجامعة حلوان، بأن المصريين
متدينون متمسكون بالتراث ويتسمون بالخمول والبلادة والكسل واحترام كبار
السن والاعتقاد فى الخرافات، أو كما انتهى إليه «حامد عمار» بأنها شخصية
فهلوية تتسم بالقدرة على التكيف السريع، والمبالغة فى تأكيد الذات وإيثار
العمل الفردى على العمل الجماعى، أو كما يراها «عزت حجازى» أن المصرى متصلب
لا يقبل التغيير، ويتمسك بالأرض ويتصف بالقدرية، متقلب المزاج ولا يتسق
قوله بسلوكه، لتبلغ أقصاها عند «أحمد زايد» الذى يرى أنها تتسم ببعض الخصال
أهمها التناقض والازدواجية، الشك والتوجس، التعلق بالأشخاص، الميل
التبريرى، السلبية والصبر، الفكاهة والمرح، التواكل!
وحتى
فى دراسة تخص الأبعاد النفسية والاجتماعية للشخصية المصرية وعلاقتها
بالمشاركة السياسية للدكتورة سوسن فايد، أن هناك استعدادا شخصيا لدى
المصريين للسلوك السياسى والمشاركة، لكنه كامن، وانتهت الباحثة أن عينتها
من الشباب اتصفوا بالتقدير السلبى للذات، وعدم الثبات الانفعالى، وكشفت عن
ازدواجية تتمثل فى نسبة الاهتمام بالأمور السياسية فى حين أظهرت النتائج
محدودية المشاركة فى الانتخابات مثلا أو الانضمام للأحزاب.
وفى
ورقة أخرى للدكتور إكرام بدر الدين وبرغم اعترافها بكاريزما الشخصية
المصرية ودورها القيادى عبر التاريخ إلا أنه لاحظ فى دراسته حالة فصام بين
المواطن الذى يعتمد فى نظرته بشكل مبالغ فيه على السلطة السياسية فى تنظيم
أمور حياته وحمايته، وأصبح يتوقع منها أن تعلمه وتوظفه وتعالجه، وتوفر له
السكن بالإضافة إلى دورها الأمنى والدفاعى.. وهو نفسه المواطن الذى لا يثق
فيها ويتشكك فى نواياها وإن كان يحمل فى ذاته احتراما للسلطة مبالغا فيه
وعدم الميل للمبادرة.
ولكن
مع ثورة 25 يناير أصبح الآن من المؤكد أن نتكلم عن أن هناك الكثير من
المعتقدات الخاطئة التى كشفها لنا الشباب ومنها أنه يجب عندما نتحدث عن
الشخصية المصرية يجب أن يكون ذلك بحذر وتحوط، ولا تتحدث عن المطلقات ولا
نصدق خرافة جمود الشخصية المصرية واستمرارها دون تغيير، والابتعاد عن
التوصيفات الجامدة أو التعميمات الجوفاء مثل أن المصرى صبور أو لا يثور أو
خانع ولا يلجأ إلى العنف.
الدراسات
السابقة أثبتت أن المصرى يصبح وحشا فى أى حالة تمس الأرض أو العرض، فهو قد
يقتل ابنته وأمه وزوجته إذا فرطت فى شرفها، أو دفاعا عن الدين أو طلبا
للثأر، فالأرض بالنسبة للمصريين مجال خارج المساومة، وهو ما يفسر حالات
الاعتصام، فإذا شعر أن مورد رزقه فى خطر يتشبث بالأرض، كما أثبتت الثورة أن
الشاب المصرى ثائر وغير خاضع، مقاوم، وإن كان قد يبدو أنه متواكل صبور،
فلا يمكن استيعاب المصرى فى جماعة استبدادية سواء فى الأكل أو الملبس أو
غيره، وأصبح صاحب مبادرة.
الشباب
الثورى لا يقبل المهادنة ويطالب بإزالة عهود الاستبداد والاستغلال كما
يطالب بالتغيير الجذرى إلى الأفضل من قبل الأقدر على تكوين مستقبلهم وفتح
آفاق رحبة لامتصاص البطالة والقضاء على الفقر والاستغلال الأمثل لمقدرات
البلاد وإطلاق الطاقات وروح التنافس والإبداع وجعل التعددية السياسية
والحزبية مبنية على أسس ديمقراطية فيها الحقوق والحريات مكفولة والتداول
السلمى للسلطة يمارس عملياً.. كل ذلك إرادة الشباب لأنفسهم بعد أن عجز
الآباء عن التعامل مع الفئة الشبابية وتركها على قارعة الطريق تعانى من
التهميش والإقصاء والإلغاء، وتعانى من سوء الحال والنكد اليومى الذى يطالها
بقسوة، ولا تجد له حلاً.
على
هذا الأساس، فإن الشباب أصروا على تحقيق التغيير وجعلوه واقعاً، وأصبح لا
مناص للتغيير والوصول إلى الديمقراطية نتيجة إلى التحرك العالمى السريع
بشكل متدفق الذى لم يستوعبها السياسيون التقليديون ولكنه أوضح وملائم أكثر
لروح الشباب الذين هم على دراية وعلم بكل ما يحدث حولنا من العالم، فلم يعد
هناك ما يمكن التعتيم عليه، كما انتشار المدونين والمدونات بين الشباب،
مما جعل منهم كتلة رأى متحركة وأصبحوا قادرين على التعبير عن رأيهم دون خوف
أو قلق.
كما
أن العلاقة مع السلطة لا بد أن تتغير للاستفادة من حماس وقوة واندفاع
الشباب وتوجيه ذلك بحكمة ورجاحة عقل وخبرة الكبار والحكماء من الشعب، فنحن
نعيش فى وطن واحد يجمعنا كلنا شبابا وكهولا، ويجب أن نحدد مصيرا معا
مستفيدين بكل الإمكانيات والطاقات المتاحة.