محمد صلى الله عليه وسلم مصدر كل خير
في الحقيقة هذه مقالة رائعة قرأتها وأحببت أن أنقلها لكم ليعم الخير والفائدة.
مختصر المقالة:
العالم كله في هذه الأيام يرقص فرحًا بذكرى ولادة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وقد عرّفنا ربّنا سبحانه وتعالى بقدره بأوجز عبارات في القرآن الكريم في سورة "الكوثر"، وهي كلمة موجزة تعطي في دلالاتها معنى "أكثر الكثير"، فأكثر الكثير من الخير حواه محمد صلى الله عليه وسلم..
محمد مصدر كل خير
خطبة الجمعة للدكتور محمود أبو الهدى الحسيني في الجامع الأموي الكبير بحلب بتاريخ 26/2/2010م
العالم كله في هذه الأيام يرقص طربًا وفرحًا بذكرى ولادة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، لأنه الأمل الواعد لنهضته، والأمل المرتجى لسعادته.
والأرض والسماء تحتفلان بمولد سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم..
ولسان حال الكون يقول:
انتظرناك يا رسول الله حتى أشرق وجهك علينا كما يشرق القمر في الليلة الظلماء.
وكما أشرق الوجه المحمدي منذ خمسة عشر قرنًا تتجدد ذكرى مولده صلى الله عليه وسلم لتُذكّر القلوب التي غفلت عنه بعظيم قدره صلوات الله وسلاماته عليه، لأن القلوب حينما تعيش مع عظمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لا تقدر أن تلتفت إلى غيره، ولا أن تقتدي بسواه، ولا أن تستمد من معاني غيره...
وعندما تعيش القلوب معنى عظمة النبي صلى الله عليه وسلم فإنها سوف تكون حاضرة مع قوله تعالى: {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف: 185] لتدرك أن الهداية لا يمكن أن تكون إلا من خلال محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
وقدرُ الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم لا يمكن لأحد أن يوجزه وأن يعبّر عنه إلا الله، فمهما حاولَت العقول، ومهما اجتمعَت الأفكار من أجل أن تُعرّف الناس بقدر محمد صلى الله عليه وسلم تبقى عاجزة، لكن التحدّي الربّانيّ جاء بأوجز عبارات من خلال أقصر سورة في القرآن قال فيها الله سبحانه وتعالى وهو يعرّف بمحمد صلى الله عليه وسلم: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ، فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ، إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ} [الكوثر: 1-3]
فأقصر سورة في القرآن جاءت بالمعنى الإعجازيّ الذي عبّر فيه ربّنا عن حبيبه ومصطفاه سيدنا محمد.
وفي هذه السورة لم يقل ربنا سبحانه وتعالى: أنا أعطيتك، لكنه قال:
- {إِنَّا}: ليدل على أن مُصدر الخطاب إنما هو عظيم العظماء سبحانه وتعالى، فهي تدل على التعظيم، فما أراد الله سبحانه وتعالى أن يخاطب حبيبه في معرض التعريف عليه إلا من حضرة عظمته، فقال: "إِنَّا".
وبعد ذلك قال:
- {أَعْطَيْنَاكَ}: وما قال: أعطيتك، وهو الذي قال: {أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه: 50] ولكنه سبحانه وتعالى خصّ الحبيب المصطفى الذي هو سيد الكائنات بقوله: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ} حتى تتصل العظمة بصاحب الخُلُق العظيم محمد صلى الله عليه وسلم.
- {الْكَوْثَرَ}: وهي عبارة لغوية موجزة، لكنها تعطي في دلالاتها معنى "أكثر الكثير"، فأراد الله سبحانه وتعالى أن يختصر بكلمة "الكوثر" أكثرَ الكثير من الخير، حتى لا يتوهم أحد في العالم أنه يمكن أن يحوي خيرًا إلا من الخير الذي حواه محمد صلى الله عليه وسلم.
حتى إن كثيرًا مما أعطاه الله سبحانه وتعالى لعباده سماه باسم الكوثر، كالنهر الذي في الجنة الذي اسمه الكوثر، والحوض الذي يُسقى منه محبّو رسول الله وعاشقوه يوم الحشر وهو حوض الكوثر، لكنه كلَّه مندرج في الكوثر الذي هو أكثر الكثير من الخير.
فالله سبحانه وتعالى أوجز عطاءه للحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم بكلمة "الكوثر" التي هي أكثر الكثير من الخير، حتى لا يخطر على بال أحد أنه يمكن أن يحظى بخير لم يكن عند محمد صلى الله عليه وسلم، لأن أكثر الكثير من الخير حواه محمد صلى الله عليه وسلم.
فاختصر ربنا سبحانه وتعالى بهذه العبارة عطاءه لحبيبه ومصطفاه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
وبعد ذلك جاء التكليف من أجل أن يدله ويدل أمته على المنهاج، فقال سبحانه وتعالى بعبارات موجزة:
- {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}: وحتى نفهم ذلك لابد أن أنقل لكم ما نقله ابن جرير رحمه الله عن سيدنا علي كرّم الله وجهه ورضي عنه، فقد خرج يومًا من الأيام سيدنا علي رضي الله عنه فرأى الناس في المسجد قد بكّروا في صلاة الضحى، فقال: "نحروها نحرهم الله، ألا تركوها حتى ترتفع قدر رمح أو رمحين".
فإنه رضي الله تعالى عنه رأى الناس قد بكّروا وكانوا أول الناس في صلاة الضحى فقال: نحروها نحرهم الله، أي أنهم كانوا الأول فيها، إذ بكّروا في صلاة الضحى، فدعا لهم سيدنا علي رضي الله عنه بقوله: نحرهم الله، أي بكّر الله لهم الخير، أي كان الله سبحانه وتعالى معطاءً لهم يعطيهم الخير أول ما يعطيه لعباده.
وعندما نفهم هذه الصيغة فإننا نفهم باختصار وإيجاز ما يعنيه قوله سبحانه وتعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}
إنه سبحانه وتعالى تحدث عن تكليفين اثنين:
- الأول هو الاتصال بالله: فلا قيمة للإنسان إلا حينما يكون موصولاً بحضرة مولاه، وحتى يستمدّ من ربّه، لأنه محتاج إلى الله: {يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن: 29].
وهو القائل سبحانه وتعالى: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق: 19] لأن السجود والانطراح في أعتاب الله تبارك وتعالى يزيد العبد صلة بالله، ويزيده عطاءً من عطاء الله تبارك وتعالى.
والمادية تَخرج فظائعُها في الشرق والغرب لأنها مقطوعة عن الله سبحانه وتعالى، ولو كانت موصولة بالله سبحانه لكانت في موطن الخلافة الذي أشار إليه قوله تعالى: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30] لكنها لما انقطعت عن الله تبارك وتعالى أظهرت من السلوك ما يَندى له الجبين.
وهكذا رأينا أن العدوان هو السمة الغالبة على المادية المنقطعة عن الله.
إذًا: التكليف الأول هو الاتصال بالله.
- أما الثاني فهو: {وَانْحَرْ}: أي: كن الأول في كل شيء.. وكن السابق في كل شيء..
فكن الأول في العلم، والأول في العمل، والأول في المعرفة، والأول في الإتقان، والأول في الاستقامة، والأول في الأمانة، والأول في التعليم، والأول في التعلُّم، والأول في الاجتماع والاقتصاد، والأول في خدمة الناس، والأول في المحبة، والأول في الرحمة، والأول في العدالة، والأول في المساواة...
فجمع قولُه تعالى: {وَانْحَرْ} بعبارة موجزة ومختصرة الدعوةَ إلى السبق.
وهكذا نقرأ في الحديث الذي أخرجه أحمد في مسنده: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الصَّفِّ الأَوَّلِ).
ونقرأ في كتاب الله وتعالى: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ، أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} [الواقعة: 10-11]
فالسبق مرتبط بالقرب، وحينما لا نكون أمة سابقة بل أمة مهزومة بين الأمم، لا نكون أمة مقرّبة عند الله.
فشرط قربنا حتى نكون عند الله معتبرين في السابقين وفي المقربين أن نكون من أصحاب السبق، وذلك حينما لا تتأخر مختبراتنا، ولا تتأخر مدارسنا، ولا تتأخر جامعاتنا، ولا تتأخر مصانعنا...
وحينما نكون المظهر السابق علمًا وعملاً ومعاملة...
وحينما نكون السابقين في أخلاقنا، والسابقين في رحمتنا، وحينما نكون السابقين ونحن نقدم للعالم نموذج الإنسان...
وبكلمات مختصرة:
- {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} تدل على قدر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم واختصاصِه بالعطاء الكثير من الله، بل بأكثر الكثير الذي لا يحويه غيره صلى الله عليه وسلم.
- {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} منهج تربويّ قدمه لحبيبه وأمته من بعده.
وبعد هذا أعلن للعالم فقال:
- {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ}: فالذي يُبغضك يا محمد هو المقطوع عن ذلك الخير، فهو المقطوع عن السبق، وهو المقطوع عن الاتصال بالله.
ومهما أساء المسيئون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنهم أقل من أن يسيئوا إلى سيدنا محمد، لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي خصّه بالاصطفاء، وهو الذي أعطاه منـزلة القرب، فمن ذا الذي يسيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
وهل يمكن أن تنال من أقدام (أو من نعلي) رسول الله صلى الله عليه وسلم رسومٌ هاهنا وهناك، أو كلمات هاهنا وهناك؟
لا والله.. إن قدر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لا يحط منه شيء أبدًا.
قدر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حفظه الله عظيمًا في العظماء.
وهكذا فإن عظمتنا يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم مرتبطة بتعظيم محمد.
فعندما يكون نموذج سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حاضرًا في قلوبنا، وحاضرًا في عقولنا، وحاضرًا في سلوكنا... عند ذلك نعرج في معارج العظمة.
عش ما شئت فإنك ميّت، وأحبِب من شئت فإنك مُفارِقه، واعمل ما شئت فإنك مجزيٌّ به.
رُدّنا اللهم إلى دينك رَدًّا جميلاً، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
أقول هذا القول وأستغفر الله.