ومرّت عليك الأيام
عام مضى و هاهو يكاد ينقضى آخر... مضى عام كامل وشهران وكأنه شهر واحد أو بضعة أيام ... مضى بحلوه ومره ، وانقضى بزينه وشينه ، ونسي بفرحه وسروره ، ومحي بترحه وحزنه ... ولد فيه من ولد ومات من مات ... وتزوج من تزوج وطلق من طلق ... وكم ممن صار أبًا ... وآخر تيتم بفقد أبيه ! وهذا التحق بوظيفة وذاك جد في وزارة ... وهذان تصاحبا وذانك افترقا ... وهؤلاء تصافوا وأولئك تنافروا ... عامل زرع ورعى فحصد ، وحصيف اغتنم ما تهيأ له فنجح ، ومتمنٍّ طرد سرابًا فما وجد ، ومفرط أضاع فرصًا فأخفق... ونحن اليوم ، أمام صفحة بيضاء نقية مقبلة، فلماذا لا نأخذ على أنفسنا عهدًا ألا نشوه بياضها بما تعوّد أصحاب القلوب السوداء أن يسوّدوها به، من اعتياد للكبائر وإصرار على الصغائر ، واتصاف بالكبر وتلبس بالتعالي، وتشرب بالحقد وتشبع بالحسد، واحتقار للخلق وازدراء للآخرين، وتقاطع لأجل أمور تافهة وتهاجر بسبب شؤون حقيرة، وتعادٍ سببه ظنون سيئة وتهم ظالمة، .. و... و... إلخ .
..لماذا لا نعزم على المحافظة على الفرائض والإكثار من النوافل ؟! لماذا لا نعزم على أداء الواجبات وإعطاء الحقوق ؟! لماذا لا نعزم على أكل الحلال واجتناب الحرام ؟! هل فكرنا منذ البداية أن نخلص في أعمالنا ؟! هل فكرنا أن نجدّ في وظائفنا ؟! هل فكرنا أن نرفع راية بلدنا ونعلي قدر جزائرنا ؟! هل وقفنا مع النفس وقفة محاسبة ونسألها هل نحن مخلصين وهل نحن على الصواب...؟؟؟ تساؤلات كثيرة تطرح نفسها وتلح على الظهور أمام ناظِرَيْ كل من وقف منا مع نفسه وقفة محاسبة وهو يودع عامًا ويستقبل آخر. فما أجمل أن نبغي الخير جهدنا وطاقتنا! ما أجمل أن نعيش لغيرنا كما نعيش لأنفسنا ! ما أجمل أن نجعل المصلحة العامة فوق مصالحنا الخاصة ! إذا أردنا النجاح فلنجتهد . إذا أردنا الوصول فلنبدأ. إذا أردنا الحياة فلنتفاءل. .
.. من يهنئ من؟! : منْ تلوح لهم في الآفاق ذكريات رجلين يشقان غبار الصحراء ويجوبان الفيافي والقفار؛ لتأسيس "أمة" على دعائم الطهر والنقاء، والحب والإخاء والسلام ؟! أم منْ تلوح لهم الكؤوس الصفراء في الليالي الحمراء على نغمات "ميلاد" –زعموا! – يئدون فيه الفضيلة.. لقاء دراهم قليلة؟!
إنه اليوم الجديد.. أحبتنا في الله.. ختاما صلوات ربي وسلامه على خاتم النبيين، الذي أسس أمة ثم تركها على المحجة، وسنّ لها هجرة لا تنقطع إلى يوم المعاد: "المهاجر من هجر ما نهى الله عنه"! فليهنئ نفسه منْ طَوى عامه على هجرة مباركة كثرت فيها صحائفه البيضاء! وليعاهد نفسه على صفحة جديدة منْ قصّر وأساء! اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير .وأجعل هذا الصرح خالص لوجهك الكريم وباب من أبواب الخير العميم ..وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالم